إن الأزمات التي لا يمكن التنبؤ بها مثل الكارثة التي حدثت في هايتي الأسبوع الماضي، لا تبين فقط مدى هشاشة الحياة على كوكبنا مرة أخرى، ولكن أيضا الغريزة الإنسانية التي تأتي لمساعدة المحتاجين. لقد كان من اللافت خلال العقد الأول من هذه الألفية الطريقة التي تصدر بها أخيرا الفقر في العالم عناوين الصحف، واجتذب الاهتمام المضطرد على الصعيدين السياسي والشعبي. في السنوات التي تلت مباشرة التوصل إلى اتفاق بشأن الأهداف الإنمائية للألفية، تم قطع أشواط كبيرة وكانت هناك أسباب حقيقية للتفاؤل. ويهدد الآن التقارب في الأزمات العالمية -الاقتصادية والبيئية- بحدوث تراجع في المكاسب الأخيرة ونهاية حقبة من التقدم قد بدأت لتوها. وبالنسبة للبلدان الفقيرة، فإن أزمة المناخ ليست مجرد مشكلة تقاس بما سيحدث للأجيال المستقبلية ولكنها حقيقة قاسية، خطيرة وملحة. إن الكوارث البيئية تسفر بالفعل عن مقتل 1000 شخص في كل يوم، وتلوح في الأفق حالات جديدة من الجوع الطارئ. وفي حين كان بناء أزمة المناخ بطيئاً؛ جاءت تأثيرات العاصفة المالية مفاجئة وحادة. وبدون التقليل من المعاناة فقد تسبب الركود العالمي في معاناة كثير من العائلات في العالم الميسور، فإنه وبدون شك سوف يكون في البلدان الأكثر فقرا الفرق شاسعا بين الحياة والموت. وإن العواقب هناك ستستمر لفترة طويلة بعد الانتعاش في الاقتصاديات المتقدمة. وبالفعل، فقد أدى فقدان التجارة والانخفاض في الإيرادات إلى سحب بلايين الجنيهات المخصصة للتمويل والاستثمار من المدارس والمستشفيات. اسمحوا لي أن أحدد عدد الضحايا بوضوح: يخشى أنه سيموت أكثر من 400 ألف طفل في كل عام، وأنه سيكون هناك المزيد من الملايين من الذين هم على طريق التعلم سيكبرون ويكونون غير قادرين على القراءة والكتابة. وعليه، مع مواجهتها لتحديين خطيرين في وقت واحد، فإنني أعتقد أن فترة الـ12 شهراً من عام 2010 سوف تكون حاسمة مثلها في ذلك مثل السنوات الـ10 التي شهدها العقد الماضي. يتمثل عزمنا وهدفنا في الوفاء بالتعهدات السابقة، واتباع طرق جديدة في مواجهة تغير المناخ والتغلب على المعوقات الاقتصادية التي يمكن أن يرزح بسببها مئات الملايين في فقر ويأس دائمين. أولا، يجب علينا مواصلة المسيرة لنجعل من الفقر تاريخا مضى. إن بريطانيا لن تحافظ فقط على وعود المساعدات في عام 2010 ، بل إننا سوف نتجاوزها. ولهذا السبب، تقوم المملكة المتحدة اليوم بنشر مشاريع القوانين التي من شأنها أن تجعلها أول بلد في العالم يقوم بإعطاء ضمانة دائمة بأننا سنصل وسنحافظ على مستوى المعونة المحدد أممياً والبالغ 0.7 في المئة. وعلى كل بلد أن يفي بتعهداته أيضاً. ويجب عليها أن تضمن وجود تمويل جديد وإضافي لتزويد البلدان النامية بما يساعدها على التكيف وتخفيف آثار تغير المناخ. وبطبيعة الحال، فإن تقديم المعونة وحده ليس كل الحل. لكن مع انخفاض الإيرادات وزيادة الطلب على الخدمات في البلدان النامية، يمكن للمعونة أن تلعب دوراً لا غنى عنه في الإبقاء على المدارس والمستشفيات مفتوحة وتوفير شبكة أمان حيوية للمعوزين. وقد شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة بدايات لتوجه في إفريقيا نحو إلغاء رسوم المستخدم وإنشاء أسلوب خدمات صحية وطنية مجانية، وينبغي علينا أن ندعم هذه الجهود التي تمنح الأمل للملايين. وقد ذكرتنا أيضا الأحداث الرهيبة التي وقعت في هايتي الأسبوع الماضي بالحاجة ليس فقط للمساعدة الإنمائية، ولكن أيضاً للإغاثة الإنسانية الضرورية لإنقاذ الأرواح في حالات الطوارئ. وقد أرسلت بريطانيا بالفعل فرقا متخصصة وتعهدت بدفع مبلغ 6 ملايين جنيه إسترليني للمساعدة في انطلاق بداية جهود الإغاثة، ونحن نعلم بأن هناك حاجة لما هو أكثر من ذلك بكثير، ونحن ننتقل من مرحلة الإغاثة إلى مرحلة الانتعاش. ثانيا، بالنظر إلى حجم التحديات فإنه يجب علينا أن نجد مصادر جديدة ومبتكرة للتمويل ولمكافحة الفقر ومواجهة التغير المناخي. لقد قمنا بالفعل بتوفير مليارات الجنيهات عن طريق بيع السندات والتبرعات العامة، لكني مقتنع بأن هناك ما يمكن القيام به أكثر من الناحية العملية وكذلك من منطلق الإمكانية. وعلى سبيل المثال، بإمكان صندوق النقد الدولي النظر في الكيفية التي يمكن أن يسهم بها القطاع المالي في دفع مزيد من أعباء التدخل الحكومي، بما في ذلك الضريبة على المعاملات المالية العالمية والتي من الممكن أن تزيد من وجود عائدات ضخمة إذا تمت معالجة التفاصيل. ثالثا، يجب أن نضمن أن البلدان النامية لا تتعامل مع الأزمات فحسب ولكنها تقوم بالاستثمار من أجل المستقبل. وكما هو الحال في المملكة المتحدة، فإن الاستثمار في التعليم أمر مهم لتحقيق التنمية المستقبلية. هذا هو السبب في إنني سأعمل مع بلاتر من "الفيفا" ومع الرئيس زوما من جنوب إفريقيا اللذين تعهدا بجعل "التعليم للجميع" ميراث كأس العالم الأول الذي يقام في إفريقيا من خلال حملة الهدف الأول. رابعا، يجب علينا أن نشجع قدرة البلدان النامية على تنمية طرقها الخاصة للخروج من الفقر. ومن خلال G20، هناك فرصة جديدة لتحقيق نمو عالمي حقيقي يشمل الاقتصاديات ذات الدخل المنخفض ويفيدها. وفي هذا العام، نحن نمتلك جميع الوسائل الدولية التي نتمناها لترسيخ التقدم وتنفيذ التعهدات التي قطعناها في غلين إيغلز في إطار حملة "لنجعل من الفقر تاريخا ماضيا". إن الأكثر أهمية هي قمة الأمم المتحدة عن الفقر والتي ستعقد في شهر سبتمبر، حيث إنني أعتقد أنه يجب أن نتفق على خطة عمل موضوعية عالمية -ترتكز على التزامات وطنية محددة- وتبين بوضوح كيفية التمكن من تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. لبلوغ الزخم اللازم لتلك الأهداف، يجب أن نبني حلا سياسيا على مستوى عال في وقت مبكر. إن العام 2010 هو بمثابة اختبار لما يساور العالم من قلق بشأن أشد الناس فقرا، وإيمانهم وثقتهم بنا. إن ضميرنا ومصالحنا الذاتية، تحتم علينا ألا نفشل وذلك لما فيه مصلحتنا ومصلحتهم. يجب علينا أن نتصرف الآن لنعيد إلى العالم أجمع روح الأمل في المستقبل.